*لو استمع الساسة يوما واحد فقط لما يقوله الناس لكانوا وكنا اليوم في شأن آخر، ولكن ماذا نقول عن الانانية التي تجعلهم لا يرون إلا ذواتهم المنتفخة، وتعمى أبصارهم عن رؤية مصالح الشعب والوطن !
*كما أنهم يتميزون بالغباء الذي يجعلهم لا يفهمون ان تحقيق مصالح المواطنين يحقق لهم أكثر مما يتطلعون إليه ويحلمون به، وهو احترام وتقدير الشعب السوداني ودخولهم أنصع صفحات التاريخ، ولكنهم لا يحبون إلا السقوط !
*قلت قبل أكثر من عام عند تشكيل الحكومة: يجب ان تبذل الحكومة اقصى ما لديها من جهد وامكانيات للاهتمام بقضايا المواطنين، ليست الكبيرة والعامة فقط، وإنما أصغرها وأكثرها خصوصية في أي مكان يوجد فيه ، في عمله، في الحي الذي يقيم به، بل وفى داخل منزله. هذا هو الطريق الى النجاح !
*اسمحوا لي أن انقل لكم هذا التجربة القصيرة: في الحي الذي اقيم به في مدينة تورنتو، وفي كل أحياء الدولة الكندية، يوجد مكتب دائم لنائب الدائرة سواء على مستوى الحكومة الفيدرالية أو الحكومة الإقليمية، لاستقبال المواطنين والاستماع لمشاكلهم ومطالبهم مهما كانت صغيرة جدا وخاصة جدا، والعمل على حلها وتلبيتها مع جهات الاختصاص، وفي كثير من الاحيان يزور نائب الدائرة بنفسه او الموظفون الذين يعملون معه الاسر بمساكنهم والاستماع إليهم ومعرفة مشاكلهم وطلباتهم والعمل على حلها، مهما كانت خاصة، وعندما أتحدث عن المواطنين لا أقصد الذين يحملون الجنسية الكندية، بل حتى المقيمين الذين لا يحملون الجنسية الكندية!
*كما توجد عشرات المكاتب الحكومية وغير الحكومية لتقديم المعلومات والخدمات بكافة الانواع والاشكال، بالإضافة الى أجهزة الهاتف والمواقع الإلكترونية والتقنية الحديثة .. تستطيع أن ترفع سماعة الهاتف أو الدخول الى الموقع الإلكتروني في أي وقت وتتصل بأي جهة حكومية أو خاصة، وتشتكى أو تقدم طلبك أو تطلب الخدمة التي تريدها بدون الحاجة الى التحرك من منزلك، .. تجدد رخصة القيادة، بطاقة التأمين الصحي، جواز السفر ..إلخ تحجز عند الطبيب، تدفع فواتيرك، تأخذ قرضا من البنك ..إلخ، وأنت جالس في مكانك.
*خدمة المواطن هي الأولوية القصوى التي تتنافس عليها الأحزاب، وهى الأساس للفوز في الانتخابات، بينما تأتى الأيدولوجيات في المرتبة العاشرة، وحتى الايدولوجيات فهي تتعلق بهموم المواطن بشكل مباشر وليست محض قضايا فلسفية او نظرية، ولا مجال لعدم الإيفاء بالوعود، فالوعود شيء مقدس لا يجوز المساس به وإلا كانت العاقبة وخيمة وهى فقدان ثقة المواطن وذهاب صوته الى المرشح المنافس او الحزب المنافس، فالصوت الانتخابي لا يلتصق بحزب أو مرشح لأنه (بعثي) أو (اتحادي) أو (شيوعي) أو (إسلامي) وإنما بما يقدمه المرشح والحزب للمواطن!
*الغالبية لا تعرف اسم رئيس الدولة (الحاكم العام)، وهو لا يتدخل في أعمال الدولة ابدا، وإنما هو (او هي) رمز لسيادتها فقط (مثل مجلس السيادة عندنا)، وشتان ما بين سيادة وسيادة، وما بين احترام للدستور وعدم التدخل في اختصاصات الآخرين هناك، وما بين امتهان الدستور هنا والدوس عليه بالأقدام!
*نصف المواطنين لا يعرفون اسم رئيس الوزراء، وثلاثة ارباعهم لا يعرفون اسم الوزير، ولكنهم يعرفون جيدا ماذا تقدم لهم الحكومة أو المسؤول .. في الصحة، في التعليم، في الخدمات، في الضرائب ..إلخ .. وعلى هذا الاساس يجودون بالصوت او يحجبونه!!
*لا أريد إجراء مقارنة بيننا وبينهم، ولا مجال لهذه لمقارنة، ولكن علينا ان ننظر لتجارب غيرنا ونسأل أنفسنا لماذا تقدموا، وماذا فعلوا، وكيف نجحوا حتى وصلوا الى ما وصلوا إليه، لكى نستفيد من تجاربهم ولا نكرر إعادة إنتاج عجلة الفشل والخيبة، خاصة مع تقدم التكنولوجيا والفرصة العظيمة التي وفرتها للتقارب الشديد بين الدول والمجتمعات، ونقل ما يتناسب مع قيمنا وطبيعتنا وظروفنا !!
*حان الوقت لكي نفهم ان السياسة هي المواطن، ومطالب المواطن، وصرخات المواطن، والاستماع إليه بأذن صاغية، وعقل مفتوح، وقلب ينبض بالحب، والرد عليه بلباقة واحترام ومسؤولية، وبذل أقصى الجهد لتلبية طلباته، أما أن نتركه يصرخ وتتجاهله فإنه الفشل والسقوط في الهاوية، واستمرار الازمة التي نعيشها منذ خروج الاستعمار، بسبب غباء وجشع الساسة والفهم الخاطئ للسياسة (انتهى).
*كان ذلك ما قلته قبل عام، ولكن يبدو أن ساستنا يحبون الروائح الكريهة، لذلك فانهم يتسابقون للسقوط في براميل القمامة بدلا من الصعود على اكتاف الجماهير وهى تهتف لهم!