والضحك أنواع..
فهناك ضحكة صفراء…وأخرى خبيثة…وثالثة صافية…ورابعة لزجة…وخامسة متكلفة..
والضحك المتكلف هذا يكون على سبيل المجاملة..
وأسوأه الذي يجيء من باب النفاق – والتملق – إزاء نكتة سخيفة من تلقاء كبير..
سواءً كان رئيساً…أو وزيراً…أو ذا مال…أو حتى مخدماً..
ولكني أضيف نوعاً سادساً ؛ وهو الضحك (الغيَّاظ) – بصيغة المبالغة – الذي يغيظ جداً..
وهذا الضرب من الضحك كان قد اشتهر به المخلوع..
يضحك ضحكاً يغيظ الناس ؛ وهم يكادون يتميزون من الغيظ…كحال جهنم يوم القيامة..
وبالغ في ضحكه الغياظ هذا يوم لقاء قاعة الصداقة..
وكان يوماً من أواخر أيامه في السلطة ؛ وحُشر له الذين يضحكون نفاقاً لنكاته السخيفة..
ومنها نكتة (ح أحكي ليكم نكتة حصلت معاي…حكاها لي واحد)..
فهو ضربٌ من الضحك ينم – في بعض أوجه مسببات جعله غياظاً – عن لا مبالاة عظيمة..
لا مبالاة بعذبات يعانيها الناس…وانهيار تشهده البلاد..
ومضت الإنقاذ…وجاءت حكومة الثورة…فإذا هي – ومنذ ضربة البداية – الإنقاذ (2)..
منذ أول صورة جماعية لأفرادها وقد بدوا فيها ضاحكين..
وكتبت – في حينه – أعيب عليهم مثل هذا الضحك في زمن البكاء..
فقد كان الناس يبكون شهداءهم…ومفقوديهم…وما آل إيه حال بلادهم من بؤس بئيس..
وعبت على زميلنا فيصل – تحديداً – تبسمه العريض..
فهو من قلب هذا الواقع الذي يستدعي البكاء ؛ وعايشه لحظةً بلحظة…ودمعةً بدمعة..
لا كما القادمين من وراء البحار ؛ ومن عالم الدولار..
ولكن الضحك استمر ؛ وكلما تفاقمت مصائبنا أكثر تضاعفت وتيرة ضحكهم الغياظ..
لماذا؟….لأنهم يمثلون الإنقاذ (2)..
بكل برودها…وسخفها…وثقلها…ولا مبالاتها تجاه كل ما لاصلة له بدواعي نعيمهم هم..
فقد انفصموا – تماماً – عن الواقع…وعن الناس…وعن الضمير..
فجاء من بعدهم من يستنسخون تجربتهم ذاتها ؛ فشلاً…وبروداً…وانفصاماً…و خُطباً..
نعم ؛ حتى الخطب السياسية – والتبريرية – هي نفسها..
بل حتى لغة التنديد بالمتاريس الآن – عقب زيادة أسعار الوقود – هي لغة الإنقاذ (1) عينها..
زيادتها للمرة الرابعة ؛ وبنسبة المئة بالمئة ذاتها…كالعادة..
رغم أن المتاريس هذه هي التي أسقطت المخلوع ؛ وجاءت بحمدوك…والبرهان…و جبريل..
جاءت بالذين يضحكون ؛ والناس يتألمون..
أرأيتم – كآخر أنموذج للضحك الغياظ – كيف كان يضحك جبريل هذا خلال مؤتمره الصحفي؟..
يضحك دونما أدنى مراعاة لمشاعر الناس…وآلامهم…وأوجاعهم..
وزميلنا فيصل – كما قلنا – عبنا عليه مجاراة القادمين من الخارج في ضحكهم الغياظ..
وظل يضحك ضحكاً أنساه حتى أيام (شجرة حليوة)..
وبلغ به الضحك حداً بات لا يرد فيه على مهاتفات رفاق الأمس ؛ من زملاء مهنة الصحافة..
فهو لا يريد شيئاً يعكر صفو تمتعه بمباهج السلطة..
تماماً كما لا يريد ذلك البرهان…ولا حمدوك…ولا التعايشي…ولا حتى الآتون من الغابات..
ومنهم وزير المالية جبريل ؛ صاحب آخر ضحكٍ غياظ..
بل ما يريده جبريل هذا – ممثلاً لرموز الحركات المسلحة – أن يدفع الشعب الثمن دوماً..
يدفع ثمن تكلفة الحرب ؛ ويدفع – أيضاً – ثمن تكلفة السلام..
ثم يدفع ثمن تكلفة فشل الحكومة في المجالات كافة ؛ وثمن انبطاحها لصندوق النقد الدولي..
وأستاذنا الصعيدي – أثناء دراستنا العليا – كانت لديه مقولة مشهورة..
فالمادة التي يعلمنا إياها كانت جديدة علينا ؛ إذ لم تكن من بين مقررات درساتنا الجامعية..
وهي فلسفة أصول الفقه ؛ وطريقة تدريسه نفسها صعيدية..
فكنا نضحك ؛ ويصرخ هو فينا ( يا خيبة الرجالة لما تضحك على خيبتها)..
ويا خيبة قيادة حكومتنا الآن لما تضحك على خيبتها..
فهو ضحك يكشف عن أحط ضروب البرود…والانفصام…وتبلد الشعور…واللا مبالاة..
فيا سيد جبريل إبراهيم..
يا من زعمت أنك رفعت السلاح – سنين عددا – من أجل قضية المعذبين في الأرض..
الآن عذابات الناس – حين تمكنتم – بلغت حدودها القصوى..
وكمان بتضحك ؟!.