كنت ذات مرة أسجل حلقة من حلقات برنامج “أيام لها إيقاع” بتلفزيون السودان وكانت عن المعلمين أصحاب الإبداع من شعراء وفنانين وموسيقيين، وكان من بين الحضور المعلم الموسيقار والملحن علي ميرغني الذي اختير يومها نقيباً لاتحاد الفنانين.
وكان الفنان الراحل محمد وردي صديق عمره آنذاك معارضاً لسلطة الإنقاذ بالقاهرة، وقد أُجري معه لقاءاً صحفياً هاجم فيه بقسوة الأستاذ علي الميرغني وقال:( إن اختيارهُ نقيباً للفنانين بدعة وأشياء أخرى) وألحقها كعادته بمجموعة من (المغارز) عُرف بها الرجل.
وقبل أن نبدأ الحلقة أشار أحدهم لحوار وردي الذي طبق الآفاق فثار علي ميرغني ثورة هائلة وهاجم وردي هجوماً قاسياً، وادعى بأن وردي دون صداقته ومساعدته الخاصة والعامة لظل مجرد (فنان ربوع) مثل النعام آدم، وبلاص ..
وكانت دهشتنا عظيمة حين تدخل أحد ضباط الإيقاع في الفرقة وصاح بحدة في وجه أستاذ علي صارخاً: ( يا ود ميرغني طوِّل قيودك وألزم حدودك ، وردي خاتيْ العيب، فوق النميمة وفوق الشتيمة، وكان هو غايب نحن بندق الدبايب، وبنقلب الصفيحة ونمرق الفضيحة) ..!! واستمرت وصلة من السجع اللئيم أوقفناها بعد جهد جهيد.
قلت للعازف الذي انبرى دفاعاً عن وردي: (ما هي (نفايل) وخصائل وردي التي دعتك تثور هذه الثورة المضرية في الدفاع عنه؟! فحكى مترافعا: (أنهم كانوا في طريقهم لمنزل أحد السفراء العرب الذي طلب من وردي أن يغني لضيوفهم بعض قصائده الفصيحة فاختار “لم يكن إلا لقاءاً وافترقنا” لجيلي عبد المنعم، و”الحبيب العائد” لصديق مدثر، و”ولحظة من وثن” للفيتوري، وفي البروڤا الأخيرة أخطأتُ في زمن إحدى الانتقالات فثار وردي في وجهي، وحطم فوق رأسي العود) فضحكنا في صخب وقلت له :(يا “فلان” لقد كان جزاؤك تحطيم العود على أم رأسك وأنت ما زلت حتى يومنا هذا تعتز بهذا التصرف القاسي؟!
فقال لي غير مبالٍ بسخريتي القارصة المستترة:( نعم..!! أتشرف بها حتى الموت، وردي أريتو ولدك، دغري وحقاني ) وساد بعد عبارته صمتٌ رهيب.
لاحت لي الحكاية بتفاصيلها كأنها حدثت البارحة وأنا أرى هذا الموقف السياسي الراهن -وللسياسة مع الثقافة في بلادنا وشيجة- موقفٌ ليس فيه غضبة علي ميرغني ولا صلابة محمد عثمان وردي، فقلت هازئاً بنصف ابتسامة والناس نيام (إن مأزقنا ومأزق الفريق عبدالفتاح البرهان أنه قد فوت الفرصة ولم يهشم العود فوق رأس الطبال) ..!!

التعليقات