لن يعود أبدا السودان كما كان ، خاصة بعد حرب ١٥ إبريل ٢٠٢٣م ، و سيشهد حركة صعود الهامش بقوة، وذلك لأن المتغيرات التي حصلت في تركيبة البنية السكانية لرجل الهامش جعلت منه إنسان بلا إنسانية، والمرارات التي تسبب بها متنطعي النخب السيعسكرية خلقت منه “زول” بلا رحمة.

١.إن الأزمنة التي وحدت وجدان الشعب السوداني زالت و لن تعود، كما كان إنسان الهامش الذي حلم بالتعليم فلم يرَ تعليماً ، و حلم بالتنمية فلا وجود لها ، ثم عمل على أن يكون جزءًا من الحكم فكان مصيرة المكايد و الدسائس.

٢. وهو أمر لم يكن عرضيا فهو تجلٍّ لوضع مأزوم ضارب في القدم، وتتمثل جذوره في استفحال الأزمة السودانية حتى قبل استقلال السودان ، حين عملت دول الاستعمار المتعاقب بفتراته العثمانية والانجليزية، عملوا علي اختلاق أوضاع مستديمة تتقلب وتتحور في شكل قنابل موقوتة ، ومن ثم أتت عدم مقدرة الساسة علي إدارة الخلاف لتفجر تلك القنابل التي جرفت السودان ديمغارفيا عدة مرات:

  • في ١٩٧٣م حينما اشتدت حرب الجنوب هجر أهله جزئيا خاصة في مناطق الاستوائية.
  • في ١٩٩٣ حتى ٢٠٠٥م كانت حملات الإبادة التي جعلت من مدن الجنوب خرابا ومن المدن والمعاصمة أحياء ريفية لما تأثرت به من عشوائيات ومناطق انتشار ديمغرافي خارج التخطيط الحضري لتلك المدن ما جعل قادة الإنقاذ يحاربونه بعنصرية ويسمونها الأحزمة السوداء.
  • في ٢٠٠٣م كان التغيير الديمغرافي الأكبر ليشمل كل مساحات ومدن وحواضر وفرقان وقرى ومراحيل دارفور ليجعل من دارفور دارفوراً جديدة بها معسكرات نزوح ككلمة والحميدية والحصاحيصا ونيفاشا وزمزم وعطاش وأبشوك بمثابة مدن وأحياء جديدة أسمهت في تغيير ديمغرافيا المناطق المتأثرة بالتهجير منها أو النزوح إليها.

٣. وأستطيع القول جازما أن هذا الأمر تاريخ يكرر نفسه، فمن تداعيات تكرار ذلك السؤال الذي يثيره كُثر عمن الذي قتل علي عبداللطيف و عبدالفضيل الماظ إلى يومنا هذا؟ إذ يبرز سؤال الهوية السودانية، والتي تعد القنبلة الموقوتة التي تنتظر الانفجار حتى هذه اللحظة و هي الإشكال الذي إن لم يتم معالجتة سوف لن يكون لسودان مستقبل أن يكون دولة ذات سيادة أو حتى وجود جيوسياسي أو ديمغرافي.

٤. كما أن مسألة تكوين المؤسسات القومية وتأسيسها ومن ثم سودنتها وعلى رأسها مسألة تأسيس الجيش هي واحدة من القنابل الموقوتة التي كانت الشرارة الأولى من عمر الاستقلال و هو البديل التاريخي للاستعمار ، حيث كون قوة ما يدع دفاع السودان والتي كان الغرض منها هو اشراك هذه القوة في حماية الحلفاء في الحرب العالمية الثانية(WW2)، ومن هذه القوة تكونت القوات المسلحة السودانية ، والتي قامت بأول انقلاب علي حكومة استقلال و حكومة منتخبة في نوفمبر ١٩٨٥م .

أخير: من تلك النقطة برز بصورة جلية صراع السلطة و الثروة وهو الأزمة التي عملت علي إنشاء مجموعات تنادي بالتمرد علي الحكومات المركزية كتمرد الأنانيا الأولى في ١٩٥٥م، وتطور الأمر ليعمل أولئك الحانقين علي تكوين جماعات مسلحة بغرض المطالبة بحقوقهم التي أخذت منهم بدواعي الديمقراطية تارة وتارة أخرى باغتصاب الأنظمة الدكتاتورية.

  • وأيضا تعد من الأزمات التي تعصف بعظم البلد ، و القنبلة المنفجرة القادمة من الحرب القائمة وهي الأشد تأثيرا و ستجدد الإنفجار كل لحظة و ثانية ما لم نبطل مفاعيلها، و تندرج كل هذه الإشكالات تحتها، وهي عدم التعليم الحقيقي الذي يعمل علي رفع وعي الشعب ، و من ثم العمل علي تنفيس كل القنابل التي تؤدي إلى زوال السودان، لذلك إما أن نسارع في استعادة الاستقرار وإيقاف حملات التطهير والتهجير والتجهيل، أو تخريب البلاد وإفراغها من سكانها ومواطنهم الأصيلة لعدة عقود قادمة وربما هناك من لن يعود أبدا إلى موطنه أبدا أبدا فتخلق وضعا ديمغرافيا جديدا لن يعيننا على استعادة تماسك السبيكة الوطنية الجامعة والموحدة لوجدان الشعب السوداني.

قاسم الناير

التعليقات