رفع الوعي الجماهيري ورعاية الدفع الثوري معاً يعدان من المسئوليات الاساسية أمام القوي السياسية والمدنية التي قادت حملات التغيير إلى أن تحقق إسقاط النظام. الوعي الجماهيري الجمعي هو مورد وطني مهم يتقدم في قيمته علي كافة الموارد الوطنية الاخري وهو حريّ ببذل الجهد لترقيته وصيانته لابقائه عالياً ومتحفزاً وناضجاً. وهو الضامن الاهم لنجاح التغيير وحمايته الي ان يبلغ غاياته كلها.
بل هو الشرط الأهم لإنجاز الأهداف الثورية وترسيخ قيم ومؤسسات دولة القانون في اطار النظام الديمقراطي. أما مسألة الاستثمار في الحماس غير المرشد وحدها كما يحدث الان هو أمر خطير جداً سيقود حتماً الي تشويه صورة النظام الديمقراطي والي هدم كل ما تم بناؤه في اي لحظة اذا لم تداركه قبل فوات الأوان.
هل سمعتم أو رأيتم واحداً من هذه القوي اليسارية المنتفخة الجديدة والقديمة يخرج في الميادين العامة او يغادر العاصمة ليخاطب الجماهير في الأقاليم ويحدثهم عن ضرورة وأهمية الوعي بالاهداف الوطنية الأساسية وعن اهمية الإنتخاب كاستحقاق ديمقراطي وعن اهمية رعاية مقومات الديمقراطية والحكم الراشد وحول اهمية بناء الدولة الديمقراطية والمجتمع الديمقراطي، وحول كيفية دعم وحماية النظام الديمقراطي!!!!!!
هل حضرتم او شاهدتم اي نشاط يستثمر في رفع الوعي الجماهيري حتي داخل لجان المقاومة وداخل الاحزاب والمنظمات المدنية الاخري. هل شاهدتم أي ورش لهذه اللجان لتبصيرها بمهامها وادوارها المنتظرة في إطار النظام الديمقراطي وفي اطار دولة القانون، حتي لا نبدل نظام قاهر فاجر بمجموعات تعمل بلا وعي خارج إطار القانون.
إن أسوأ ما عاب الفترة اللاحقة لثورة ديسمبر الخالدة علي خلاف كل الفترات التي أعقبت التغييرات السابقة في السودان، يتمثل في غياب الفعاليات النوعية والأنشطة الثقافية والسياسية والجماهيرية ويدلل ذلك علي تراجع فاعلية الأحزاب السياسية والجماعات الفكرية. وخطورة هذا الأمر أنه يؤدي لتراجع الوعي الجماهيري ويخلق البيئة المناسبة لضرب النظام الديمقراطي وتشويهه والإنقلاب عليه في أي لحظة. حتي حكومة الثورة ورئيس وزرائها الذين أتوا علي إثر الثورة العظيمة التي رفعت شعارات الحرية والسلام والعدالة لا يلقوا بالاً لموضوع تنمية الديمقراطية وتحشييد الطاقات الثورية للانتاج الفكري والسياسي والاقتصادي.
الي الان لم تعقد الورش ولم يجمع العلماء والسياسيين ليحدثوا الناس ويقدموا الرؤي الفكرية العميقة حول اهمية الديمقراطية كشرط لتقدم الشعوب ويضعوا الخطط والمناهج اللازمة لترسيخ قيم الحرية ودولة القانون ويتحدثوا حول كيفية بناء الدولة الديمقراطية وسط الأجيال التي ولدت ونشأت في ظل نظام دكتاتوري متسلط.
للاسف القوي التي تتحكم في المشهد اليوم لا تختلف كثيراً في سلوكها وفهمها لاهمية الحرية وحمايتها عن الكيزان. غير أن الكيزان أعلنوا عن تعارض الديمقراطية مع المفاهيم الاسلامية حسب وعيهم ليؤسسوا لحكمهم الكؤود. أما الانتهازيون الجدد فقد ظلوا منذ انطلاق الثورة يتغنون بالحرية ولكنهم يؤكدون بسلوكهم اليومي بعدهم عن الإلتزام الديمقراطي وجنوحهم الدائم للانفراد والعزل وتغييب إرادة الشعب في كل الأمور.
ظل رئيس الوزراء حمدوك لأكثر من عام بعيداً عن الناس يتحاشا اللقاءات المفتوحة، وقوي إعلان الحرية والتغيير الي الآن لم تلتقي مع الشعب في الميادين العامة ولم تحرص علي تقديم اي ممارسة ديمقراطية نموذجية ومازال نشاطها في الغرف المعزولة. وهذا سلوك لا يناسب العمل السياسي في النظم الديمقراطية. وما فتئوا يصرون علي ابعاد كل ما يؤكد ارادة الشعب التي تقوم علي الشرعية الانتخابية الديمقراطية الحرة والمباشرة في كل قراراتهم وواصلوا يحتكرون الارادة الشعبية ادعاءً.
لو سلمنا ان إختيار رئيس الوزراء قام علي التوافق بين مكونات قحت ليس مقبولاً عقلاً ان تقوم كل القرارات علي التوافق فقط بين مجموعات محدودة وبعضها مجموعات صغيرة ونوعية ومعزولة. من شأن ذلك ان يؤدي للفشل بسبب قصور الرؤية ويقود لسخط الجماهير خاصة اذا استمرت وتيرة هذا الفشل.
ان محاولات تغييب ارادة الجماهير في كافة مستويات الحكم وخاصة في المحليات وداخل النقابات ومنظمات المجتمع المدني وتركها كلها محكومة بكوادر النظام القديم أو بكوادر معينة وغير منتخبة من هذه القوي الصغيرة يشوه المشهد الديمقراطي.
إن أهمية اقامة إنتخابات بالحكومات المحلية وداخل النقابات والمنظمات المدنية المختلفة تنبع من كونه يقدم فرص للتمارين الديمقراطية ويؤسس للانتخابات العامة القادمة كاستحقاق ثوري وموضوعي ويخلق أرضية صلبة للتحول الديمقراطي القادم ويقدم تجارب مفيدة حتي تأتي الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية نموذجية وأكثر نجاحا في تمثيل ارادة الجماهير وعكس خياراتهم بلا تزوير او التفاف.
المقالات
التعليقات