(1)
تطوران لافتان في الأيام الماضيةعزّزا ما ذهبنا إليه في هذه الزواية أواخر الأسبوع المنصرم بعنوان “دولة القانون: الفريضة الغائبة”، والتحذير من أن أعظم خطر يواجه تماسك الدولة وينذر بانهيارها غياب حكم القانون وعرقلة العدالة جراء الانتهاكات المتكررة للوثيقة الدستورية ولحكم القانون الذي يمارس بانتظام من قبل قادة أجهزة الدولة العليا كافة من أطراف ترويكا الانتقال بمكوناته المدنية والعسكرية على حد سواء، فالتطور الأول كان “إصدار لجنة تفكيك نظام 30 يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة” باتخاذ إجراءات جنائية في مواجهة “كافة رموز المؤتمر الوطني المحلول وكوادره النشطة وقيادات واجهاته في المركز والولايات”، أما التطور الآخر فهو منع عضو المجلس السيادي ورئيس اللجنة المناوب من استقبال عضوين منها لعقد اجتماع في مكتبه بالقصر الجمهوري.
(2)
بالطبع تابع الرأي العام منذ فترة ليست قصيرة جدلاً واسعاً سياسياً وقانونياً وحقوقياً حول “لجنة إزلة التمكين”، لكن المهم في مقامنا هذا التركيز على مغزى الصراع المحتدم داخل مؤسسات الحكم بشأنها بين أطراف من اللجنة وعدد من أطراف ترويكا الانتقال، لا سيما مع المكوّن العسكري، والنائب العام، وبعض مكونات قوى الحرية والتغيير، وهذا أحد أبلغ الأدلة على اضطراب المنظومة العدلية في البلاد كما يتضح من خلال التصريحات العلنية والاتهامات المتبادلة وحتى الملاسنات، وبلغ هذا الصراع حد إعلان رئيس اللجنة، الممثل للمكون العسكري، استقالته من رئاستها التي ظل يتسنمها منذ تشكيلها في ديسمبر 2019، وذهابه في تبريرها بقوله “هنالك انتقاد مستمر من كافة مستويات الحكم ومعظم مكونات الحاضنة السياسية، لقانون ونهج عمل اللجنة، فضلاً عن عدم مباشرة لجنة الاستئنافات لعملها، ما عطّل عملنا وأعاق دورة العدالة، أيضاً من الأسباب التهاتر المستمر بيننا وبقية أجهزة ومؤسسات الدولة وفي وسائل الإعلام”.
(3)
من المؤكد أن هذه المبررات، التي يسوقها رئيس اللجنة الذي ظل على قيادتها طوال هذه الفترة التي حدثت فيها كل هذه التجاوزات، أخطر من يطلقها هكذا عفواً، وينصرف في حال سبيله مستقيلاً متحللاً من قسطه في مسؤولية ما أقر به بنفسه، فإذا كانت مهمة هذه اللجنة محاسبة من تجاوزوا القانون في عهد النظام السابق، فما الذي يعطيها الحق لتصبح فوق القانون باعترافه. وهذا السؤال ليس موجهاً له فقط بل لكل الأطراف المعنية، فهذا القانون المعيق للعدالة حسب قوله، لم يصنعه أعضاء اللجنة، مثار الجدل الحالي، من تلقاء أنفسهم بل هو قانون توافق عليه أطراف ترويكا الانتقال من المدنيين والعسكريين، وجرى إقراره من مجلس الوزراء والمجلس السيادي، ووقعه رئيس المجلس السيادي في نسخته الأولى في نوفمبر 2019، وكذلك نسخته المعدلة في إبريل الماضي، وصدر تشكيل اللجنة بقرار من رئيس مجلس الوزراء.
(4)
وبالتالي فإن حجة رئيس اللجنة للاستقالة بأن عملها وجد ” انتقاداً مستمر من كافة مستويات الحكم ومعظم مكونات الحاضنة السياسية، لقانون ونهج عمل اللجنة” تبرير غير مقبول على الإطلاق، فهو يتحمل مسؤولية هذه التجاوزات كما يتحملها رئيسا المجلس السيادي والوزراء، ومن ينتقدها من قوى الحرية والتغيير فهم شركاء أصيلون في كل أعمالها، والسؤال ماذا فعلوا من أجل تصحيح هذه التجاوزات، فتوجيه الانتقادات هذا عمل المراقبين وعامة المواطنين، أما أصحاب القرار فليس أمامهم سوى تحّمل مسؤولية معالجة أخطاء تصل إلى حد عرقلة العدالة, وإضاعة حكم القانون، فهم بلا شك شركاء في هذه التجاوزات وبالتالي لا يمكنهم الاكتفاء بإلقاء اللوم على بعض عضوية اللجنة، واعتبار الامر منتهيا بالنسبة لهم.
ونواصل بإذن الله.

التعليقات