الخرطوم: أحمد جبارة
يبدو أن الحديث عن نذر حرب بين السودان وأثيوبيا في تصاعد مستمر، وهذا يقرأ من خلال التوتر الحدودي المتصاعد بين الخرطوم وأديس أبابا، فالخرطوم رصدت أمس تحركات لقوات تابعة للجيش الاثيوبي على الشريط الحدودي بين البلدين، وبحسب مصادر عسكرية، فإن الجيش السوداني أعلن استعداده للتصدي لأي هجوم محتمل على الحدود الشرقية، بالمقابل فإن اثيوبيا تتهم السودان بأنه تعدى على سيادة أراضيها حيث قال رئيس أركان قوة الدفاع الوطني الاثيوبية، إن طرفاً ثالثاً يقف وراء إنتهاك الجيش السوداني لسيادة إثوبيا بقصد تعطيل المفاوضات بشأن سد النهضة، ولم يحدد الجنرال الاثيوبي إسم الطرف الثالث الذي تحدث عنه، إلا إنه قال يحث السودان لحدوث حرب بين البلدين.

إمكانية الحرب

على الرغم من تأكيد البلدين، على المستوى الرسمي، ضرورة احتواء التوتر، والزيارات المتبادلة التي يجريها المسؤولون العسكريون لهذا الغرض، والتزام السودان بغلق حدوده أمام العناصر العسكرية التي تقوم بها جماعة التغراي، إلا أن مراقبين لم يستبعدوا أن تنشب حرب بين البلدين، حيث يقول المراقبون، إن إثيوبيا ترغب في الحرب مع السودان مستدلين بالتعزيزات العسكرية التي قامت بها في الحدود، مؤكدين أن الأمر يعد مرحلة إستباقية لما قبل الحرب، فيما استبعد آخرون نشوب حرب بين البلدين لجهة أن ما يقوم به الجيش السوداني الآن بغرض الحماية لأراضية، بجانب متانة العلاقات بين البلدين والشعوب واللذان سيحولان دون إندلاع حرب شاملة بين السودان وإثيوبيا.

تخوف الجنوب

لعل ما يعزز فريضة نشوب حرب بين إثيوبيا والسودان هو انزعاج وتخوف مستشار رئيس جنوب السودان للشؤون الأمنية ورئيس الوساطة بين السودان وإثيوبيا، توت قلواك من التوترات التي تجري الآن على الحدود بين البلدين، حيث قال قلواك إن زيارته الأخيرة للخرطوم مبعوثاً من رئيس بلاده، أتت إثر قلقهم من الانتشار العسكري الكثيف على حدود البلدين، والخوف من نشوب حرب، وأوضح قلواك، أن دولة جنوب السودان ستتأثر بهذا الوضع باعتبارها جزءاً من دول الهيئة الحكومية للتنمية الأفريقية “إيغاد”، وجزءاً لا يتجزأ من السودان، وأضاف قلواك، أن رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت، اتصل برئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، وأعرب عن قلقه من نشوب حرب بين الدولتين، وكشف قلواك عن لقاء جمعه بالبرهان، حيث أكد الأخير، استعداده للجلوس مع نظيره الإثيوبي، وأن بلاده لا ترغب في خوض حرب مع أديس أبابا، فيما شدد البرهان على ضرورة انسحاب إثيوبيا من الأراضي السودانية، ونقل قلواك عن البرهان، طرحه 4 شروط على الجانب الإثيوبي قبل الجلوس مع أبي أحمد، تشمل وضع علامات على حدود البلدين، والرجوع إلى اتفاقية عام 1902، وسحب المزارعين من الأراضي السودانية، وأن تكون إدارة المنطقة الحدودية لمصلحة الحكومة السودانية، وأشار قلواك بحسب قناة (الشرق) إلى أنه ناقش الوضع مع أبي أحمد، خلال زيارته ووفد الوساطة لإثيوبيا، حيث اشترط أبي أحمد سحب القوات السودانية قبل الجلوس على طاولة التفاوض، ونقل قلواك عن أبي أحمد قوله، إن “وجود تلك القوات في الأراضي الإثيوبية غير مقبول ويمثل احتلالاً ووجوداً أجنبياً غير مرغوب به”، وأكد قلواك، أنه لا يرغب بدخول الطرفين في حرب شاملة، مشدداً أن عليهما معالجة القضايا بالوفاق والحل السياسي، وكشف قلواك عن زيارة مرتقبة للبرهان إلى جوبا خلال الأيام المقبلة، حيث سيلتقي الرئيس سلفا كير لمناقشة قضايا الحدود، فيما سيزور أبي أحمد، جوبا، قبل الدعوة إلى قمة ثلاثية للوصول إلى اتفاق ورؤية سياسية واضحة، قال قلواك إن فريق الوساطة يهدف إلى جمع الطرفين والتوصل إلى اتفاق مع وجود فريق من الخبراء وفقاً للخريطة البريطانية، بدلاً من الدخول في حرب.

سلمية إثيوبيا

وبعيداً عن حديث قلواك فإن إثيوبيا أكدت مراراً وتكراراً إنها لن تخوض حرباً مع السودان مشيرة إلى أنها “ليست بحاجة للحرب مع السودان بأي حال من الأحوال”، وقال قائد الجيش الاثيوبي الجنرال برهانو جولا في تصريحات صحفية سابقة “هناك من لديهم مصالح في إشعال الفتنة ودق طبول الحرب بين البلدين”، وأردف القائد العسكري: “موضوع التعديات على الحدود بين البلدين لم يكن جديداً بسبب عدم ترسيمها، ولا يمكن اعتبار ذلك احتلالاً من جانب أي طرف” بالمقابل فإن الخرطوم ردت على حديث القائد الاثيوبي بلهجات مستعرة، وذلك حينما أكد وزير الدفاع السوداني الفريق ركن ياسين إبراهيم ياسين رفضهم لحديث رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن وجود نزاع حدودي مشيرًا إلى أن المناطق الحدودية واضحة ونصت عليها الاتفاقيات الدولية.

خيارات الحرب

يقول الخبير العسكري عبدالرحمن أبو مجاهد، إن الخيارات والاحتمالات مفتوحة للحرب لاسيما في ظل التوتر القائم بين البلدين، مؤكدا في حديثه لـ(الجريدة) توفر عدد كبير من المبادرات الاقليمية والدولية يساعد في نزع فتيل الأزمة، وأضاف: كذلك مايقود لحرب هو أن بعض التحالفات والمصالح من بعض دول الجوار كارتريا ومصر يدفعان الامور دفعاً إلى حافة الحرب ولعل هنالك أنباء عن حشود ارترية صباح أمس في منطقة ام حجر الحدودية وهو الامر الذي يعزز من تسارع الخطى نحو اشعال المنطقة بأثرها، لكن أبو مجاهد عاد ليؤكد أن حسابات الحرب الدولية معقدة وتحتاج إلى دراسة متأنية وتقدير موقف دقيق لقوة كل طرف، لجهة أن نشوب أي حرب لن يقتصر على منطقة الفشقة وحدها بل سيمتد إلى داخل العمق الاستراتيجي لكلتا الدولتين لأنها تختلف عن كل الحروب التي خاضتها حكومات هذه الدول ضد المليشيات المعارضة لها، وهنا يقول ابو مجاهد، إن الحرب بين إثيوبيا والسودان ستكون بين جيشين نظاميين يمتلكان اسلحة اسناد متطورة من مدفعيات طويلة المدى وطيران يستطيع ان يضرب داخل عمق حدود البلدين وذلك لضمان شل كل خطوط الامداد واي دعم لوجستي قد يصل لقوات الجانبين في الحدود مما يجعلها حرباً شاملة ومدمرة غير معلومة النتائج.

حرب داخلية

لكن الخبير الأمني طارق محمد عمر استبعد نشوب حرب بين السودان وإثيوبيا وذلك وفقاً لرفضيات قال إنها تحول دون نشوب حرب بين البلدين، وبحسب الخبير الأمني، فإن هذه الفرضيات أبرزها، أن السودان يمثل منفذاً بحرياً لاثيوبيا عبر مينائي بورتسودان وسواكن، بجانب إنه يمدها بالنفط والمواد الغذائية فضلاً عن استفادة شعبها من المشاريع الزراعية بولاية القضارف كأيدي عاملة ومنتجات، وأضاف، كذلك من الفرضيات التي تعزز عدم نشوب حرب بين البلدين هو أن اثيوبيا تبيع الكهرباء للسودان وعبره للجوار، وأكد طارق في حديثه لـ(الجريدة) أن الجيش السوداني يتحرك داخل حدود البلاد المرسومة له منذ العام 1902، وهو ذات الامر الذي غض الطرف عنه في عهد حكم البشير إذ جعل المزارع الاثيوبي يستغل أراضي الفشقة السودانية وذلك باعتبار ان حكومة ملس زناوي صديقة للسودان الذي أوصلها سدة الحكم، لافتاً إلى أن الحكومة الاثيوبية تدرك ذلك جيداً لكنها تتجمل لارضاء مواطنيها خاصة قومية الامهرا التي تدعي بلا دليل حقوقاً تاريخية على تلك المناطق، وقال طارق، إن إثيوبيا تعيش فقراً اقتصادياً وحرباً داخلية ضد قومية التقراي وغير معلنة ضد بني شنقول، حيث شيد سد النهضة على أراضيهم، كما قال، إنها تدرك مقدرات الجيش السوداني الذي اجتاح أرضها في عهد الثورة المهدية وقتل حكامها في الحرب العالمية الثانية وفي العام 1993 حينما أطاح بحاكمها الشيوعي منقستو هيلا مريام ونصب حكومة ملس زناوي، لذلك بحسب طارق، فإن إثيوبيا تخشى الحرب مع السودان.

التعليقات