تعتبر العامية السودانية مستودعاً كبيراً للمفردات الموحية والحكمة البليغة، والتي هي عصارة تجارب أهل السودان في الخيال اليقيني والاعتبار عبر الأحداث. والأمثلة كثيرة لهذه المفردات منها كلمة (مكجِّن) وهي مفردة تعبر عن درجة متقدمة للكراهية و(الدبَارة) درجة متقدمة من التدبير و(التكرف) درجة متقدمة من حاسة الشم.

وقد استعرضت هذه الكلمات وأنا أبحث عن مفردة تعبر عن وصفة وحل للراهن السياسي المعقد الذي نعيشه، وأطلت في خاطري مفردة (المضايرة) وهي حالة من ترتيب البرامج والأفكار والأشخاص والمواقف والأزمات ووضعها في مكانها الصحيح، بالحزم لا بالعنف وبالهيبة لا بالقوة.

وتساءلت من يا ترى سوف يجيد استعمال هذه (المضايرة) فأطل في ذهني الحلم الشعبي بزعيم يقود الأفكار والبرامج والمؤسسية و(المضايرة) وسيم قسيم، مثقف ووسطي ومعتدل، مستقيم وزاهد (ود بلد) يحبه الناس ويهابونه مثلما يحبونه ويحترمونه ويثقون فيه في سياق واحد، خليفة وطيب ودون الخمسين. باختصار (قيادي فيه كل أوصاف أم معبد في وصف المصطفى بالحد الأدنى)
وهو للأسف مثال لم يتحقق منذ الاستقلال إلى الآن حتى صار ضرباً من أبطال الأسطورة والخل الوفي. وإن كانت هنالك مقاربة شعبية شهيرة ترددها بوادي السودان فهي:

لاح لي بِريق بالليل
طرّاني الخليفة
تِلبي اللَزوم للشيل
الطيب سمح بالحيل
هَيْ بدورلك تضايرلي ديل فوق ديل

فالرجاء من شعبنا في ذكرى الاستقلال أن يفتش في جامعاته ومهاجره وأسواقه وأشواقه، فإن وجد قيادياً شاباً بهذه المواصفات فسيكون هو الأولوية قبل الزرع والضرع والحصاد والأمان.

وعليه أن يشرع مباشرة في مضايرة ديل فوق ديل مجاميع (الجهلة والعملا والفشلة) هؤلاء الذين يملأون الساحة بالمزاعم والعمالة والأحلام الهباء التي إن لم يُبعث الخليفة الطيب فإن الفاجعة واقعة لا محالْ.

التعليقات