“غنا” البنات عفوي وبسيط وجميل يعبر عن أحلام وأفكار البنات، ويأخذ طابعه المميز من كون ان كل مجموعة من الفتيات تضيف وتغير وتبدل في كلماتها حسب الظروف او المناسبة، وقد تغني واحدة: يا الماشي لي كسلا/ جيب لي معاك شتلة/ زي لونك أو أحلى، بينما تقول أخرى: يا الماشي لي كسلا/ جيب لي معاك بصلة. وأغاني البنات ركيكة إذا حكمنا عليها بمقاييس النقد الأدبي، ولكنها ستظل رائجة ومتداولة طالما هي تؤدي الغرض المطلوب منها وهو “التطريب”، ولو كانت تلك الأغاني مبتذلة وسوقية حقا فهي نتاج الثقافة السائدة ولم تفرضها جهة خارجية علينا. وعلى كل حال فأغاني البنات أكثر تهذيبا من الأغاني التي يرددها بعض الرجال في “قعداتهم”
غنا البنات تنفيس وتعبير عن اوضاع اجتماعية، ولا يخلو من طرافة وفكاهة.. على أيام شبابنا “الباكر” كانت هناك أغنية رائجة اسمها “الطريق ساهل”، وكلماتها في منتهى الركاكة ومع هذا كانت على كل لسان تقريبا: هاك قلبي لقميصك أعملو زراير.. ثم هاك توبي لأوضتك أعملو ستاير.. هذا كلام خارم بارم ولكنه حلو وطريف وظريف، ومن المهم جدا ان ننتبه الى ان غنا البنات فولكلور وتراث شعبي وبالتالي ليس لتلك الأغنيات مؤلفون وملحنون معلومون، بينما غناء بعض النساء محترفات الغناء فيه ركاكة مصدرها معلوم، ومع هذا فإن لغنا البنات أساليبه البلاغية الخاصة، أنظر مثلا: أُمّو (أمه) ما راضية بيا/ وأخته ما دايره ليا/ بسويها عرفية/ بعدين قسمة شرعية/… قالوا امه حنكوشه، وبتتكلم برموشها/ أنا حبيت وليدها عشان خاطر قروشها (هذا لعب على المكشوف، ويعكس واقع الحال).. ثم استمع: يا يابا يا والد/ ما تبقى لي عارض/ طفشت ود الناس بكلامك البارد! (هذا كلام فيه روح دعابة ويحكي واقعا ملموسا)، ومن المهم جدا ان نلاحظ ان غنا البنات الحقيقي ليس فيه “قلة أدب”، فهو غناء جماعي يتم ترديده عادة في جلسات نسائية مغلقة مرتبطة ب”الأفراح” او في حفلات عائلية ويشارك في الغناء عشرات النساء
وبالمناسبة فقد التقطت معظم عينات الغناء التي استشهدت بها هنا بمساعدة من الآنسة “قوقل شمارات”، وغايتي من الخوض في أمر غنا البنات هي إثبات أنه نتاج البيئة الاجتماعية التي جعلت راجل المرة حلو حلاة، فقبل سنوات ليست بعيدة كان حلم الفتاة: “ضابط بدبورتين أو مغترب سنتين”، ثم يفوز الحبيب بفرصة الاغتراب فتبكي المحبوبة: “يا يمة انا ووب علي البريدو سافر دبي”، أما اليوم فقد صار اختطاف الرجال المتزوجين (الشلب) ممارسة رائجة بينما في زمن الرخاء النسبي كان الرجل السكند هاند (المُطلق) مرفوضا
خلاصة الكلام هو ان الحذلقة حول هبوط وانحطاط اغاني البنات مجرد طق حنك لا يودي ولا يجيب. ولجيل الشباب الذي يواجه الاتهامات بإنتاج اغان سوقية اقول ان الأغاني النسائية والرجالية التي كانت متداولة عندما كان جيل العواجيز شبابا هي الانحطاط بعينه، وليس سرا ان بعض روائع المدائح النبوية كانت تردد في قعدات الخمر.. ولأدعياء حراسة الفضيلة الذين يتحدثون عن ضرورة اتخاذ إجراءات لمنع تداول اغاني البنات “الهابطة” أقول: ابحثوا لكم عن معركة أخرى.. حاربوا الجوع والمرض والجهل والأمية وسترون كيف ان بناتنا سيتغنين بحلاوة الشبع والعافية، كما فعلن تحية لصمود الشعب الكوري في وجه الهجمة الامريكية في الخمسينات: الله لي كوريا يا شباب كوريا.
(طبعا غناء حارسات المرمى “القونات” لا يعتبر غنا بنات، وثمة سؤال: ما أصل كلمة قونة وماذا تعني بالضبط؟ وهل هناك “قون” رجل في مجال الغناء؟ وأتوقع ان المداخلات ستكشف لنا ان بيننا “مثقفون ومثقفات” في مجال غنا البنات والقونات، وما تتعقدوا وهاتوا عينات مما عندكم)

التعليقات