مدخل ضروري : في البداية نعلن كامل تضامننا مع أهلنا في شرق الجزيرة لما لحق بهم من إنتهاكات خطيرة وجرائم حرب وضد الإنسانية أرتكبت في حقهم من قبل مليشيا الدعم السريع، وخاصة مناطق الهلالية ورفاعة وغيرها ونجدد إدانتنا لهذه الأفعال وكل الجرائم ضد المدنيين، فهذا أمر لن يسقط بالتقادم ولن يفلت مرتكبيه من العقاب مهما طال الزمن، وندعو الجهات الخيرية والمنظمات لدعم نازحي تلك المناطق بما يملكون فان الحوجة حسب التقارير كبيرة جداً.
تحليل وحقائق: من الواضح أن هناك ضرورة للنظر مرة أخرى لمساري حل أزمة الحرب في السودان ، فمنذ إندلاع الصراع المسلح في ١٥ أبريل ٢٠٢٣م الي يومنا هذا عملت الأطراف الدولية والإقليمية لإعطاء مسار الحل والتفاوض العسكري (لوقف إطلاق النار) أولوية قصوى على المسار التفاوض السياسي (للتوصل لاتفاق شامل يعيد عملية الانتقال ويؤسس لها مجدداً تتفق فيه كل الأطراف السياسية والمدنية حول البلاد وتنهي بها كافة أنواع الصراعات) عدا الخطوات الأخيرة التي قامت بها جمهورية مصر العربية وعملية نيون والاجتماع التحضيري الذي عقد في أديس أبابا.
ورغم أن الحوار بين القوى السياسية نفسها لم تتوصل لاتفاق نهائي، إلا انه في الحقيقة أحدثت إختراق سياسي تاريخي في القاهرة، حيث جمعت لأول مرة مصر القوى السياسية المتباينة في مؤتمر واحد نرى أنه يمكن البناء عليه وعلى الجهود الأخرى الغير معلنة لرصف الطريق للتوصل لحل سياسي وعقد مؤتمر للحوار السوداني -السوداني.
تعثر مسار المفاوضات العسكرية: الجهود الاخيرة في جنيف وغيرها لبحث التوصل لوقف لإطلاق النار يمهد الطريق للحوار السياسي قد فشلت ولم تتوصل لاختراق حتى ولو محدود، هذا بغض النظر عن من تسبب في ذلك ، وإنه من الواضح مع استمرار الانتهاكات واستمرار تدفق السلاح ستتعقد الفرص أمام هذه المفاوضات اكثر مالم يحدث اختراق سياسي.
لذا اعتقد أنه من المهم الان اجراء عملية تبديل في سلم الأولويات لدى الوسطاء، فبعد ان كان الاهتمام بالملف العسكري ينصب عليه جهود الوساطة لما يقارب العامين الان يجب ان يمنح فرصة وجهود مماثلة في الملف السياسي، ولأن الأزمة طبيعتها سياسية وان هذه الحرب نشبت بسبب اطماع سياسية وتحديدا الاتفاق الاطاري وهو اتفاق سياسي في المقام الأول، فلذا الان التوصل لاتفاق حول القضايا السياسية جميعها بما فيها الترتيبات الانتقالية، هذا مؤكد سيدفع من جانبه او على الاقل سيفني الحجج السياسية التي لربما يتمسك بها من يريد استمرار الحرب او ينهيها وفق اجندته.
الاتفاق السياسي حول شكل الحكم الدولة ومستوياته وتوزيع الموارد وإصلاح القطاع الامني والخدمة المدنية والاتفاق حول ديمقراطية ومدنية الحكم وعلاقة الدين بالدولة والانتخابات والبناء الدستوري وإعادة الإعمار وغيرها، سوف يكون هذا دافعا لانهاء الصراع وهذه طريقة الهرم المعتدل (Top Down) بدلا عن الهرب المقلوب(Bottom Up) الذي اتبع سابقا ولم يحقق اختراق، لان طبيعة الأزمة سياسية وليست عسكرية كما قلنا سابقاً.
خاتمة: تاخر التوصل لحلول اليوم والتعويل على كسب الوقت لن يحقق مغانم بل سوف يفاقم الاوضاع كثيرا وسيعقد الأزمة اكثر مما يتصوره الجميع، فالذي يكون في المتناول اليوم سنعجز عنه في الغد او سيكلّفنا الثمن الباهظ لنناله.
11/11/2024م
التعليقات