في ظل الحرب التي مزقت أوصال السودان، تتصاعد كارثة خفية لا تقل فتكاً عن الرصاص والقنابل، وهي تزوير العقارات، فبينما تركز الدولة على معاناة النازحين والمدنيين، تستغل عصابات منظمة حالة الفوضى وانعدام الأمن لسرقة منازل وأراضٍ، مستهدفة مستقبل البلاد بأكمله.
إن مايحدثه التزوير من كوارث تعتبر ضربة موجعة في صميم حقوق الملكية، وهي أساس أي مجتمع مستقر. فقدان الوثائق الرسمية في مكاتب الأراضي، وتهجير الملايين، وانهيار سلطة الدولة في بعض المناطق، كلها عوامل خلقت بيئة مثالية لنشاط المزورين.
تخيل أسرة نزحت من منزلها هرباً من الموت، لتعود بعد سنوات وتكتشف أن ملكيتها قد “بِيعت” لشخص آخر بوثائق مزورة. هذه الجريمة لا تسرق منهم الممتلكات فقط، بل تسرق منهم الأمل في العودة وإعادة بناء حياتهم، وتزرع بذور النزاعات القانونية التي قد تستمر لعقود.
على الرغم من أن التحديات هائلة، إلا أن الحلول موجودة. لذلك يجب على الدولة أن تضع حماية حقوق الملكية على رأس أولوياتها.
فيمكن البدء بإنشاء سجل عقاري رقمي مركزي، محصن ضد التلاعب، يضمن حقوق المالكين حتى في ظل غياب الوثائق الورقية. يتمثل الحل الأساسي في إنشاء قاعدة بيانات مركزية لكل العقارات في السودان. هذا السجل يجب أن يكون رقمياً ومؤمناً بشكل عالٍ. بدلاً من الاعتماد على الأوراق التي يمكن فقدانها أو تزويرها، تُخزن جميع المعلومات المتعلقة بملكية العقارات، وتاريخ المعاملات، والخرائط المساحية في نظام إلكتروني واحد أضف الي ذلك إعتماد تقنية البلوكشين (Blockchain) وتُعد هذه التقنية من أقوى الحلول لمكافحة التزوير. فالبلوكشين عبارة عن سجل إلكتروني لامركزي لا يمكن التلاعب به أو تعديله بأثر رجعي.، كما يجب تشكيل لجان تحقيق مستقلة للبت في قضايا التزوير، بالإضافة إلى إطلاق حملات توعية مكثفة تحذر المواطنين من مخاطر التعامل مع الجهات غير الرسمية.
إن معركة مكافحة تزوير العقارات هي جزء لا يتجزأ من معركة إعادة بناء السودان. لا يمكن أن يتعافى المجتمع ما لم يشعر أفراده بالأمان تجاه ممتلكاتهم. فحماية الأراضي والمنازل اليوم هي بمثابة حماية مستقبل السودان.
دعوة للجميع من الحكومة إلى القضاء، والاجهزة الامنية وأجهزة العدالة والمنظمات الدولية إلى كل مواطن شريف، للوقوف صفا واحدا. يجب أن تُعلّق كل الخلافات، وتُوجّه كل الجهود نحو حماية حقوق الملكية، فهي الحصن الأخير الذي يضمن عودة النازحين، ويُعيد الثقة في المؤسسات.
إن معركتنا ضد التزوير هي معركة من أجل العدالة والكرامة والأمل. لن يستقر السودان ما لم يشعر كل مواطن بأن أرضه ومنزله هما ملكه حقا، وأن لا قوة في الأرض تستطيع أن تنتزعهما منه.
التعليقات