أشفق عليها بشدة..
وقد يتساءل أحدكم – منذ ضربة البداية لكلمتنا هذه – أي العيشتين أقصد ؛ أو العائشتين..
عيشة الجبلية ؛ أم عيشة القصر والنثرية..
ولا أي واحدة منهما ؛ وإن كانت الاثنتان تستحقان مني – هذه الأيام – إشفاقاً شديداً أيضاً..
فالأولى استحت – أخيراً – من كثرة نعتها بالابتذال..
سيما بعد أن رفض عصام محمد نور الظهور بصحبتها تلفزيونياً ؛ ترفعاً…وتأففاً…و تقززاً..
فاستعانت بالحلنقي لتحسين صورتها غنائياً..
ولا أدري إن كان سيرتقي بلونيتها الغنائية الهابطة ؛ أم ستهبط هي به إلى حيث تهبط (نقطتها)..
وربما إغراء (النقطة) هذه هو الذي جعله يغامر بسمعته الشعرية..
فهذا زمان عجيب ؛ يفتقر فيه النابهون…ويغتني فيه التافهون…ممن لا يسوون عيشة..
ومفردة عيشة الأخيرة هذه نعني بها الرغيفة..
وسنأتي إليها…وإلى قيمتها الآنية…والتي قلنا أن موهبة تافهي هذا الزمان تتقاصر دونها..
تتقاصر حجماً…ووزناً…وكيفاً..
ولكن قبل ذلك نشير إلى وجه إشفاقنا على عيشة القصر ؛ والتي ستصير عيشة الشارع..
ليس لأنها ستذهب إلى الشارع عقب قبول استقالتها..
وإنما لأنها ستنزل إلى الشارع هذا – نزولاً ثورياً – للتعبير عن غضبها إزاء تقصير الحكومة..
وسبب الإشفاق أن لا أحد سيصدقها..
ونكتفي بهذه الإشارة عن الخوض في التفاصيل ؛ بما أن المقام مقام عيشة قمحية…لا نثرية..
ونعني العيشة الواحدة هذه..
وقد يبدو تخصيص مساحتنا اليوم لهذه العيشة أمراً غريباً ؛ بل ومن رفاهية الكتابة الصحفية..
ولكن ما هو غير الغريب في أيامنا هذه؟..
فنحن نعيش حقبة هي الأغرب من بين حقبنا السياسية كافة ؛ وخلاف أنها غريبة فهي مريبة..
وما يجعلها ذات ريبة أن غالب حكامها – وحكامنا – غير وطنيين..
فإرادتهم مسلوبة من تلقاء جهات خارجية…ومرهونة لها…وإولى هذه الجهات دولة الإمارات..
ومن يرتهن كلمته إلى الخارج فهو ليس بوطني..
خاصة إن كان يحمل هوية لا علاقة لها بالوطن ؛ هوية انتمائية…وثقافية…و (دولارية)..
وفضلاً عن أنهم غير وطنيين فإنهم غير إنسانيين..
فما من قادة حكم قبلهم فعلوا في شعب السودان ما يفعلونه هم منذ أن جاءوا باسم الثورة..
ما يفعلونه فيه تعذيباً…وتجويعاً…وتتفيهاً…وتحقيرا..
وجراء التتفيه هذا بات حتى أصحاب المخابز يتفهون الناس عبر تتفيه عيشهم…و عيشه..
والبارحة استوقفني ما آل إليه حال العيشة من تفاهة..
فأكاد أقسم بالله إنها أضحت – تماماً – في مثل حجم كعك جدتنا روضة ساتي أيام العيد..
ومبعث الإشفاق أن تتفيه العَيشة – وعِيشة الناس – بلغ الحد…الميس..
فماذا سيفعل ملاك الأفران – أكثر من ذلك – تصغيراً لرغيف عيشٍ أضحى (كعكياً)؟..
فأية محاولة لتتفيهه – أكثر – ستجعله (مجهرياً)..
وإلى أن يأتي أوانٌ قريب نشيع فيه من صيروا حياتنا تافهة لمثواهم الأخير دعوني أشفق..
أشفق على الخبازين…والفرانين…والعجاَّنين..
والعيشــــة !!.